عاش المايسترو مارون الراعي عشر سنوات في إيطاليا وتعلّم العزف على الكمان، ثم تعلّم قيادة الأوركسترا في السبعينيات، وتشبّعت روحه بمتابعة الأوبرا، وعاد إلى بلده الأم في بداية التسعينيات ليضع خبرته وشغفه في عهدة المعهد العالي للموسيقى حيث تعرّف على السوبرانو اللبنانية يولا يونس ناصيف، «أخبرتني أنّها تعمل على تحضير منهج أوبرا باللغة العربية، وفي العالم هناك أوبرا إيطالية، فرنسية، ألمانية، وروسية».

كانت الفكرة بالنسبة إليه «قمة في الروعة»، وبدأ العمل على كتابة المنهج لتكون المدرسة الخامسة في العالم هي المدرسة العربية للأوبرا من لبنان. «وضعنا الأسس ورافقتها في كل التجارب لهذه المناهج، وقام مؤسس القسم الشرقي في المعهد جورج فرح بتأليف القطع الموسيقية بروح شرقية، وكتب الألحان العربية، واستلم الخلافة بعده الأستاذ أنطوان خليفة، وبرعاية من رئيسة القسم الشرقي لور عبس. من هنا انبثق وتوثّق منهج الأوبرا العربية في المعهد، من خلال ماكينة تضمّ نخبة من الأساتذة، وبقرار من رئيس المعهد الراحل المايسترو وليد غلمية أقرّ تعليم المنهج في العام 1993، وأصبحت الأوبرا اختصاصاً أكاديمياً رسمياً، ولا ننسى أنّ الأوبرا العربية لطالما كانت موجودة في التاريخ اللبناني»، مذكّراً بأوبرا «البخيل» لمارون النقاش وبأنّ ملحن النشيد الوطني اللبناني وديع صبرا قدّم ايضاً عملاً اوبرالياً باللغة العربية.. قدّم الراعي مع العناصر اللبنانية العمل الأوّل على مسرح الأونيسكو في شباط 2011 «إكسير الحب» لدون دزيتي، ثمّ «كارمن» لبيزه ونالا نجاحاً موثقاً بشهادة عدد كبير من قادة الأوركستر العالميين والنقّاد، وها هو اليوم ينطلق مع أوبرا عربية لبنانية بمقوّمات عالمية.

يتابع المايسترو الراعي قصته مع الأوبرا ليقول «بعد عشرين عاماً وجدت نفسي أمام خريجي أوبرا من دون وجود أوبرا عربية، بحثت عن الأديب الدكتور أنطوان معلوف ليكون أول كاتب «ليبرتو» لأوبرا عربية جادة غير هزلية ووقع الاختيار على «عنترة وعبلة» لأنّها تتضمّن عبراً والكثير من المقوّمات الإنسانية، من أهمّها رفض التمييز من خلال اللون، وبما أنّ عنترة فارس وحبيب وصادق وشاعر شعراء العرب كان لا بدّ من الانطلاق معه في هذه الأوبرا، وليكتمل المشروع وقع الاختيار على الفنان غسان صليبا ليلقي قصائد عنترة لخبرته الواسعة في المسرح الغنائي، ولارا جوخدار تؤدي دور عبلة، وتجدر الإشارة إلى أنّ فريق الأوبرا بأكمله هو من خريجي المعهد في اختصاص الغناء الأوبرالي».

أوبرا «عنترة وعبلة» ستضمّ 160 شخصاً بين عازفين ومغنين، تولى المايسترو الراعي مهمة التأليف الموسيقي لها، والإخراج لميرنا النعيمي وجوزف ساسين، ومن المقرّر أن تعرض للمرة الأولى في كانون الثاني من العام 2016 من دبي، لتجول بعدها عواصم العالم، وسوف يتخللّ حفل إطلاق الأوبرا العربية إطلاق كتاب عن تاريخ الأوبرا العربية وحاضرها ومستقبلها وكل ما يتناول الحركة الثقافية السائدة. وعن الجهة المنتجة يقول الراعي «الشركة المنتجة هي «مؤسسة أوبرا لبنان» التي أولى إدارتها الفنية، ويديرها رجل الأعمال اللبناني فريد الراعي الذي يستثمر في مجال الثقافة ويؤمن بدور الثقافة، بالتعاون مع Raisonnance بإدارة بيار حداد»، على أن تعرض أوبرا «عنترة وعبلة» في قصر الأونيسكو في لبنان وبرعاية وزارة الثقافة في التاسع عشر من أيار من العام المقبل.

يرى الراعي أن في هذه الخطوة لفت للنظر أمام المهرجانات والمؤسسات الرسمية لتدخل في صناعة الثقافة، «نحن نمدّ اليد ونقدّم العروض آملين من كلّ المهتمين بالصناعات الثقافية والسياحية أن يمدوا لنا أياديهم، لا سيما أنّه ليس من السهل تأليف فريق لبناني يفوق المئة ليقدّم الأوبرا. لم تستطع أي دولة عربية إنشاء أوبرا محلية عربية من دون تطعيمها بالأجانب مع العلم أنّ هناك دور أوبرا عربية. اليوم لا دار أوبرا في لبنان ولكن فريق الأوبرا مكتمل، وهنا أذكر وصــــية الكبير وديع الصافي الذي قدّم نداء قال فيه «عندما تشكّلون فريق أوبرا سأقوم من الموت لأغني معكم»».

يضيف الراعي أنّ مؤسسة «أوبرا لبنان» هي مؤسسة خاصة، «سبق لي أن قدّمت عدداً من الاقتراحات على وزارة الثقافة لإنشاء مؤسسة الأوبرا اللبنانية، وآخرها كان في العام 2013 حيث قدّمت اقتراحاً مكتملاً ولاقى الموافقة بانتظار المراسيم لإنشائها، لا نريد المال ولا نريد الدار اليوم، نريد انطلاقة وطنية لفرقة الأوبرا اللبنانية ونحن قادرون إذ لدينا كل الطاقات الممكنة وما عملنا إلا إثبات على هذا».